Tuesday, September 1, 2015

إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان

    :هذه مقتطفات من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى 
 الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والانابة إليه ومحبته والاخلاص له فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم ويتم نعيمهم فلا يعطيهم في الآخرة شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لعيونهم ولا أنعم لقلوبهم: من النظر اليه وسماع كلامه منه بلا واسطة ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم ولا أقر لعيونهم من الإيمان به ومحبته والشوق إلى لقائه والأنس بقربه والتنعم بذكره وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذين الأمرين في الدعاء الذي رواه النسائي والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وغيرهم من حديث عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو به: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسلك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لاتنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة .الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
فجمع في هذا الدعاء العظيم القدر بين أطيب شىء في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه سبحانه وأطيب شىء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه سبحانه ولما كان كمال ذلك وتمامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال: في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة
ولما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له قال: واجعلنا هداة مهتدين
ولما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لاقبله فإن ذلك عزم على الرضى فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده فإن المقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم إن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله تعالى
ولما كانت خشية الله تعالى رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة
ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل وقد يدخله أيضا رضاه في الباطل سأل الله تعالى أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضى ولهذا قال بعض السلف: لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق
ولما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله تعالى القصد في الحالتين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير
ولما كان النعيم نوعين: نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله: أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين: زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمهما قدرا وأجلهما خطرا وإذا حصلت زينة البدن على أكمل الوجوه في العقبى سأل ربه الزينة الباطنة فقال زينا بزينة الإيمان 
ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت
والمقصود: أنه جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وأطيب ما في الآخرة فإن حاجة العباد إلى ربهم في عبادتهم إياه وتأليههم له كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم ومعافاة أبدانهم وستر عوراتهم وتأمين روعاتهم بل حاجتهم إلى تأليهه ومحبته وعبوديته أعظم فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال ولهذا كانت لا اله إلا الله أحسن الحسنات وكان توحيد الإلهية رأس الأمر وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدري ما حق الله على عباده قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت: الله ورسوله أعلم قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار ولذلك يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم كما أن في ذلك أعظم لذة فليس في الكائنات شيء غير الله تعالى يسكن القلب إليه ويطمئن به ويأنس به ويتنعم بالتوجه إليه ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء: 22 ] فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا زبأن يخرج ذلك المعبود منه ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه 

2 comments:

  1. جزاك الله خيرا
    كنت ابحث عن هذا الدعاء الوارد في الحديث

    ReplyDelete